مقالات ساخرة .. كان يوم أصفر .. مقال ساخر لـ يوسف معاطي

كان يوم أصفر
.
.
الكاتب / يوسف معاطي .. كاتب و سيناريست مصري

ماذا حدث للبنت؟‏!‏ ياساتر يارب‏..‏ البنت وشها أصفر كالكركم‏..‏ أخذت اتحسس جبهتها التي بدت كجبهة عصفور كناري‏..‏ وصرخت كالعادة في زوجتنا التي هي مسئولة طبعا عن أي حاجة تحصل في البيت ده‏..‏ يامدام‏..‏ ياستي‏..‏ البنت وشها أصفر كده ليه ودخلت زوجتي‏..‏ وياللمفاجأة‏..‏ كان وجهها أصفر من وجه ابنتنا‏..‏ ماذا حدث لكم‏..‏ ماهذا الاصفرار العائلي المفاجيء‏!!‏ أخذت أتأملها في رعب‏..‏ وأنا أري أمامي صفارين لبيضتين مسلوقتين بلا بياض ولكن ماهذا؟ السرير أيضا أصفر‏!..‏ والستائر‏!!‏ وكل شيء من حولي‏!!‏ قمت مفزوعا واذا بي أنا شخصيا أمام المرأة أصفر صفار مشمشي‏,,‏ هرولت الي الحمام‏..‏ كان القيشاني الأبيض قد تحول الي اللون الأصفر أيضا‏..‏ فتحت الحنفية الصفراء النحاسية‏..‏ التي كانت فضية بالأمس القريب‏..‏ ونزل الماء منها‏..‏ كأنه حلبه حصا‏..‏وكان يجب أن أتمالك أعصابي في تلك اللحظة الصفراء المصيرية في حياتي‏..‏ وفتحت النافذة‏..‏ وياللهول‏(‏ علي رأي يوسف بك وهبي‏)‏ كان كل شيء أمامي أصفر تماما‏..‏ كانت مصر كلها صفراء‏..‏ وشها أصفر‏..‏ الشجر أصفر والمباني صفراء‏..‏ وكأنها ـ لاحول الله يارب عيانه‏..‏ ألف سلامة عليكي يامصر‏..‏ ألف سلامة مالك؟‏!‏ لم تكن تستطيع الرد حينما سألتها‏..‏ فالتراب الأصفر كان يطبق علي المراوح ويكاد يخنقها‏..‏ كان الله في عونها‏..‏ ارهاب‏..‏ فتنة طائفية وانفلونزا الطيور ومشاحنات‏..‏ واحتقانات لقد تحملت فوق طاقة البشر والدول الست دي والله جبل ونزلت مسرعا الي الشارع‏..‏ كان البواب جالسا يشاهد التليفزيون‏..‏ عم يونس الأسمر وأولاده كانوا جميعا صفرا صفارا عجيبا وكان التليفزيون يعرض فيلما قديما‏(‏ أبيض وأصفر‏)‏ وكان عبد الحليم يغني أصفر ياأصفراني مين قساك عليا‏..‏ الشوارع كلها كانت ملونة بهذا الغبار الذي أحاط بكل شيء‏..‏ وقال مسئول الأرصاد ـ وهو دائما مايقول في مثل هذه الظروف ـ ان هذه رياح موسمية آتية مش عارف منين؟ وقال رجال الدين في الجوامع والكنائس أن هذا غضب من الله‏..‏ وقال مسئول الداخلية ان مختل عقليا هو الذي وراء ذلك بالتأكيد وقال الحاقدون‏..‏ واشمعني احنا يعني اللي يصفر وناس ثانية قاعدين في التكييف ولاحاسين بحاجة‏..‏ ولاهو الصفار مكتوب علينا احنا‏.‏ وقال المتفائلون‏..‏ ده اختبار وان شاء الله ربنا هيفرجها وح تندع أهي‏..‏ أجمل مافي شعبنا هو ذلك الأمل العجيب الذي يملؤنا في أحرج اللحظات‏..‏ ان شعبنا يستطيع الحياة لسبعة آلاف سنة لايمكن أن ييأس‏..‏ وفعلا بدأ المشهد يتغير في تحول مفاجيء‏..‏ من الأصفر الي الأحمر‏..‏ كل شيء صار مصبوغا باللون الأحمر بشكل مرعب الشجر أحمر والمباني حمراء وقال عم بدوي الجالس علي المقهي يشد انفاس المعسل‏..‏ وقد صار وجهه في لون الرمان‏..‏ ماتقلوش ياخواننا‏..‏ ح تندع‏..‏ أكيد ح تندع ده ربنا لطيف بعباده‏..‏ وأخيرا‏..‏ فعلا ندعت‏.‏ قطرات من الماء بدأت تنزل من السماء بالتدريج‏..‏ نقطة‏..‏ نقطة‏..‏ ويعود المشهد في النهاية لصورته الطبيعية وتزدحم المقاهي وتشتغل قنوات الأغاني‏..‏ ومعاكسات البلوتوث‏..‏ لذا‏..‏ أرجوكم ألا تنزعجوا‏..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق